تعتبر المكتبة مكونًا مهمًا من مكونات العملية التعليمية والثقافية حيث تسهم بشكل مباشر فى بناء سلوك الفرد تجاه المجتمع ، والتعليم وظيفة مجتمعية تساعد المجتمع فى احتواء التحديات والتهديدات التي تواجهه، وتساهم فى تنشئة الفرد تنشئة اجتماعية صحية فالسلوك الفردي والجمعي هو سلوك في معظمه مكتسب من التعليم، ومن الثقافات السائدة في المجتمع، وما تبقى فهو متفاعل مع عوامل وراثية وعادات وتقاليد أسرية, فلا وجود لفرد ولد وهو إرهابي فثقافة العنف والإرهاب هى ثقافة مكتسبة من خلال تنشئة اجتماعية خاطئة أو سياسات ثقافية وتعليمية منحرفة .
فالإرهاب ظاهرة إنسانية لصيقة بالحياة البشرية منذ ظهورها وإلى يومنا هذا، وسوف تلازمه في المستقبل وحتى اليوم الموعود، والسبب يكمن في ثوابت وجود الغرائز المنحرفة في النفس البشرية التي تتعرض للانحسار حتى الانكماش أو للبروز والتوسع حتى تغلبها على غرائز الخير بموجب حجم ونوع ونجاح أو فشل سياسات الروادع القيمية والدينية والثقافية والتربوية التهذيبية.
ويعني التطرف في الأفكار تجاوز حد الاعتدال في الحوار والنقاش والحجاج والتناظر والتفكير والنقد والابتعاد عن الحدود المعقولة في تقديم الرأي، والمبالغة فيه إلى درجة الهوى والإدعاء باللجوء إلى العنف المادي والرمزي، والميل إلى التعصب وعدم التسامح والتعايش مع الغير أو الآخر، ويعنى ذلك أن التطرف هو مصادرة حرية الآخرين، ومنعهم من التعبير عن آرائهم بصدق وصراحة، ورفض أطروحات الآخرين، والتعصب للرأي الوحيد مع نبذ تصورات الخصوم، واحتقار أفكارهم وتوجهاتهم وميولهم، وازدراء معتقدهم الديني أو السياسي أو المذهبي أو الإيديولوجي.
و إذا تحدثنا عن أخطر أنواع الإرهاب فنجد الإرهاب الفكرى هو أخطر أنواع الإرهاب وهو بطش بالوعي وبالفكر، وبالذاكرة، وبالحلم، كما أن الإرهاب الدموي الممارس يوميًا هو بطش بالجسد وتخريب البيئة وقطع العلاقة مع الأرض والتاريخ والذاكرة، والإرهاب الفكري موجود في كل المجتمعات بنسب متفاوتة، وهو ظاهرة عالمية ، ولكنه ينتشر في المجتمعات المنغلقة وذات الثقافة المؤدلجة والشمولية، ويتجسد في ممارسة الضغط أو العنف أو الاضطهاد ضد أصحاب الرأي المغاير أفرادًا كانوا أم جماعات، وذلك بدعم من تنظيمات سياسية أو تنظيمات دينية تحرض عليه وتؤججه، والهدف هو إسكات الأشخاص وإخراسهم ليتسنى لهذه التنظيمات نشر أفكارها دون أي معارضة من التيارات الأخرى.
وتعد المعلومات المغلوطة والأخبار الكاذبة والشائعات المزيفة من أخطر أدوات الإرهاب الفكرى تجاه النشء والشباب لأنها تستهدف تحطيم القيم والتاريخ والثوابت والرموز والتشكيك فى القيادات السياسية والعسكرية فى الدولة كما أنها تعمل على بث الفرقة بين صفوف المجتمع وزرع روح اليأس وروح الاستسلام فى النفوس ، كما أنها تستهدف فى الأساس محاولة السيطرة على العقول وتوجيهها لغايات مرسومة بعد تجريدها من ذخيرتها العلمية ومبادئها الإنسانية الصحيحة وإعادة بنائها الفكرى بأفكار تخدم أغراضها الغير إنسانية, وذلك عن طريق نشر ثقافة التلقين وتأويل النصوص الدينية بما يخدم أهداف تلك الجماعة الإرهابية إضافة إلى العزف على أوتار الطائفية والعصبية والعنصوية والدعوة إلى العنف والهمجية تجاه الآخر وربط أفكار الطلاب بمعلومات تاريخية مغلوطة وغير متفق عليها وإبعادهم عن التأمل والتفكر العقل.
إن السؤال الذي يجب أن نطرحه هنا قبل الخوض في أثر المكتبة في مقاومة الإرهاب والعنف والتطرف هو: هل المكتبة معدة فعلا لأداء هذا العمل ؟ … وبمعنى آخر هل المكتبة الآن في وضع يمكنها من أن تؤدي أثرها الفعال في تنفيذ إستراتيجية تقزيم الإرادة الاجرامية.
يمكن القول بأن المكتبة يجب أن تتحمل الدور المناط بها في تقليل الإرادة الإجرامية لدى أفراد المجتمع حيث إن الأمن يرتبط ارتباطا وثيقا وجوهريا بالتربية والثقافة , إذ بقدر ما تنغرس القيم الأخلاقية النبيلة في نفوس أفراد المجتمع بقدر ما يسود ذلك المجتمع الأمن والاطمئنان والاستقرار ويمثل النسق الثقافى أحد الأنساق الاجتماعية المهمة التي تؤدي عملا حيويا ومهما في المحافظة على بناء المجتمع واستقراره ، ولا يخفى على الجميع أهمية دور المكتبات في توجيه النشء والشباب وتحصينهم من الأفكار المنحرفة والضالة في جميع مراحل الحياة، فهي بمثابة السلطة الضابطة المرشدة التي توجه سلوكه وتضبط تصرفاته، في حين نجد أن كثيرا من الآباء والأمهات يمنحون أبناءهم حرية كاملة فلا ضوابط ولا نظام.
وقد اتسع دور المكتبات وزادت أهميتها في السنوات الماضية الأخيرة بسبب العولمة الثقافية وما نجم عنها من تأثيرات كبيرة على عقول البشء والشياب ، وأثرت كثيرا على مجريات تفكيرهم، وأصبحوا بحاجة ماسة إلى تحصين عقولهم من خلال القيم الاجتماعية والأخلاقية وهي في مجموعها مشتقة من الإسلام بوصفه منهاجا كاملا للعقيدة والقيم الأخلاقية, تعتبر كل مظاهر الحياة الروحية والعقلية والأدبية والمادية كل لا يتجزأ، ولذلك فإن الفرد ينبغي أن يكون لعقله دور في توجيه حياته، ويقول الإمام أبو حامد الغزالي «إن العقل لن يهتدي إلا بالشرع، وأن الشرع لن يتبين إلا بالعقل، فالعقل كالأساس والشرع كالبناء، ولن يغني أساسٌ ما لم يكن عليه بناء، ولن يثبت بناءٌ ما لم يكن مقاما على أساس».
إن ظاهرة الإرهاب لن تنتهي مالم نعالج جذورها الفكرية, وإن العالم اليوم أصبحت معاركه معارك فكرية، فقد أصبح السلاح الفكرى أعتى وأقوى وأبقى أثرا، وأكثر فتكا من الصواريخ والقنابل والمدمرات، وقد آن أوان تغيير منظومة المكتبات المصرية، تغييرا جذريا، لبناء شخصية المواطن المصرى الإيجابي، المفكر المنتج المبتكر، المنتمى لوطنه والمؤمن بمبادئ الإنسانية، وحقوقها وحرياتها, وليس لدينا حل ناجز باقى الأثر لمشكلة الإرهاب إلا نشر الثقافة والقيم الايجابية
فلنحارب الفكر التدميري بالفكر المتسامح المستنير, وهذا لن يتحقق إلا بوضع معايير للمكتبات تقوم على احترام وتحقيق مبادئ المواطنة والديمقراطية وتقبل الآخر والحوار ونبذ العنف والتعصب, كما يجب أن تصبح كتب التربية الدينية -إسلامية كانت أو مسيحية- قسم أساسى كغيرها من أقسام المعرفة الأخرى يختارها متخصصون فى علوم الدين, ليتعلم أبناؤنا أصول دينهم بطريقة علمية سليمة، تحميهم من الانحراف الفكري، الذى يهدد أمن المجتمع واستقراره، ويشيع فيه الفساد, فلنقاوم الإرهاب ببناء الفكر لا بطلقات الرصاص.
إن شابًا متعلمًا مثقفًا هو أقوى سلاح فى مكافحة الإرهاب وأيضا أفضل دواء ضد جميع العلل الاجتماعية، حيث إن الإجراءات الأمنية لن تنجح وحدها، فيجب على المؤسسات الثقافية التوجه نحو تغيير سياساتها الإصلاحية إلى تحقيق رسالة التسامح والصبر والمحبة والصداقة والتوافق المجتمعي، ومراقبة مقتنيات المكتبات لتكييف الرسائل التى تنقل إلى قئات المجتمع.
أن تطوير المكتبات يمكن أن يقوم بدوره الوقائى فى مجال مكافحة التطرف الفكرى، حيث إن تغيير فلسفة أداء هذه المؤسسات الثقافية وإصلاحها وتطوير السياسات والإستراتيجيات سيسهم فى إتمام نجاح مشروع الوقاية الفكرية لدى عقول النشئ والشياب عبر تنمية لغة الحوار والحرية والإبداع , وعلى الجانب الآخر، من المهم أن تتجه الحكومات نحو تعظيم قيمة «المكتبة» المناط بها غرس تلك القيم فى إطار المشروع الوقائى ضد التطرف، فلا يمكن للمكتبة ذات الكتب المحدودة أن تقدر على غرس القيم والتعليم فى نفوس الشباب، ومن هنا فإن تطوير المكتبات بما يواكب المتغيرات والمعطيات الجديدة للمجتمع يعد من أهم الآليات والوسائل الفعالة لمواجهة هذه التحديات وهذا بدوره يتطلب مقتنيات من نوع معين تتميز بقدرتها على تشكيل عقول الشياب وتعديل سلوكياتهم والتأثير فى وجدانهم وتنمية قيمهم وإعدادهم ليكونوا ركيزة أساسية فى بناء الوطن.
وان مايدعو للتفائل والأمل و رغم الظروف الاقتصادية الصعبة التى نمر بها إلا أن الإنسان المصرى لايزال مقبلا على الثقافة والقراءة حيث غالبا ما كانت تشير التقارير العالمية عن معدلات القراءة إلى تدنى المعدلات فى دول الوطن العربى بشكل عام إلا أن ماحدث من تغيرات فى العشرة أعوام الماضية يدعو إلى التفاؤل والفخر حيث تشير العديد من التقاير العالمية منها على سيب المثال التقرير الذى نشره موقع gobal english editing وتقرير dop world culture scor index حول الموشر العالمى للانجاز الثقافى الصادر عن شركة stalista المتخصصة فى إعداد تقارير السوق والمستهلكبن بالاشتراك مع الإندبندت البريطانية إلى احتلال دولتين عربيتين هما: مصر والسعودية مراتب متقدمة على العديد من الدول الغربية الصناعية وعلى الولايات المتحدة وبريطانبا العظمى حبث احتلت مصر المركز الخامس عالميا بمعدل 7.5 ساعات من القراءة إسبوعيا وجاء ت السعوية فى المركز الحادى عشر بمعد 6.8 ساعات من القراءة إسبوعيا ، حيث تخطت الدولتان المعدل الوسطى إلى القراءة وهو 6.5 ساعة إسبوعيا ويشبر ذلك إلى أن تلك الدول على الخطى الصحيحة وإلى مستقبل يدعو إلى التفاؤل بمستقبل الثقافة العربية .