زمالة الدراسة، ولا سيما في الكليات تظلّ من أزهى أيام العمر وأصدقها أثرًا، فهي رباطٌ نُسِجَ بخيوط الوفاء والإخلاص، وتوشّح بصدق المحبة ونقاء القلوب. هي عهدٌ على المشاركة في الأفراح والأتراح، وسندٌ يُقوّي العزائم حين تضعف، وبلسمٌ يخفّف وطأة الطريق حين يشتد وعوره.
غير أنّ الطعنة إن جاءت من زميل الدفعة، كانت أوجعَ للقلب وأعمقَ للجراح؛ إذ تأتي من اليد التي ظنناها ملاذًا آمنًا ودرعًا واقيًا. حينها لا يكون الغدر مجرّد خيانة، بل زلزلة لثقةٍ بُنيت عبر السنين، وانهيارًا لصورةٍ نقية رسمناها في وجداننا لمن حسبناهم إخوةً بالروح، وإن لم يجمعنا بهم الدم.
الغدر قد يتجسّد في كلمة جارحة، أو في إفشاء سرٍّ مُستودَع، أو في خذلانٍ عند ساعة الحاجة، وربما في خيانة كبرى تُسقط المعاني السامية للزمالة. وما يزيد الألم مرارة أن تأتي الطعنة ممّن منحناهم القلب بلا قيد، وفتحنا لهم أبواب الثقة على مصاريعها.
ومع ذلك، فإنّ التجارب ـ وإن كانت قاسية ـ تهبنا البصيرة لنفرّق بين النفوس الكريمة التي تبقى على العهد، والوجوه العابرة التي لا تستحق سوى النسيان. فالحياة لا تقف عند غادرٍ ولا عند خائن، بل تمضي لتكشف لنا معدن الرجال، وتُرينا أنّ الوفاء قلادةٌ لا يتزيّن بها إلا القليل.
وفي خاتمة المطاف، يبقى الزميل الوفي نعمةً تُعِين على صعاب الطريق، أمّا الغادر فوصمةٌ تُذكّرنا أبد الدهر أنّ الثقة جوهرة نفيسة، لا تُمنَح إلا لمن صانها واستحقّها.
ا.د . محمد الفحام
نقيب المهندسين بالجيزة