صدر حديثا للكاتب والروائي صبحى موسى، كتاب “مأزق التنوير العربي”، عن دار روافد للنشر.
الكتاب هو العمل الفكري الثاني للروائي صبحي موسى في إطار البحث عن أسباب تعثر الفكر المدني في المجتمع المصري والمجتمعات العربية بشكل عام، وذلك بعد كتابه “تحولات الثقافة في مصر” الذي درس فيه أسباب هيمنة الفكر الديني على المجتمع المصري، وقدم فيه موسى رؤيته لخطة الثقافة التي يجب أن توضع في هذا التوقيت، وآليات وأدوات تنفيذها، كما صدرت له خمس مجموعات شعرية هي (يرفرف بجانبها وحده، قصائد الغرفة المغلقة، هانيبال، لهذا أرحل، في وداع المحبة)، وله عشر روايات هي (صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف، أساطير رجل الثلاثاء، الموريسكي الأخير، نقطة نظام، صلاة خاصة، نادي المحبين، كلاب تنبح خارج النافذة، وجوه طنجة).
في كتابه الجديد “مأزق التنوير العربي”، ينطلق صبحي موسى من سؤال مفاده: لماذا ظل التنوير العربي على مدار قرنين من الزمان في نفس المربع الأول، فلم ينتقل إلى الأمام عبر نفس المسار الذي اتخذه التنوير الأوربي، ولم تشهد البلدان العربية سيادة التفكير العلمي النقدي، ولا الدفاع عن الحريات أو الحصول على الحقوق السياسية وغيرها من حقوق الدولة المدنية الحديثة.
ويقارن موسى في كتابه بين المسارات التي اتخذها التنوير العربي بالمسارات والمحطات التي مر بها التنوير الأوربي، مؤكدا على أن الثقافة العربية لم تتخط بعد مرحلة الثورة البروتستانتية، تلك التي انطلق منها الفكر الأوربي في ثورته على الكنيسة وهيمنتها على مؤسسات الدولة، مما أتاح للفلاسفة والمفكرين الأوربيين أن ينتقلوا من إصلاح العملية الدينية إلى وضع أسس الدولة المدنية الحديثة والقانون الوضعي، ساعدهم على ذلك الثورة العلمية التي عاشها الغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلاديين، وهو ما أهل المجتمعات الأوربية لمجيء الثورة الفرنسية، والقبول بالتغييرات الكبيرة التي قدمتها من خلال صيغة الحكم والمشاركة السياسية، بدءا من وضه دستور حاكم لمؤسسات البلاد، وصولا إلى تحول منصب الحاكم من كونه ظل الله على الأرض، إلى كونه رئيس منتخب من قبل جمعية عمومية هي الشعب.
قسم موسى كتابه إلى مقدمة تأسيسية طويلة بعنوان “مأزق التنوير” وستة فصول هي: “محمد على وبدايات عصر التنوير”، وفيه توقف أمام ما أنجزه محمد على على مستوى الصعيد الثقافي والاقتصادي والسياسي، والحربي، موضحاً أنه بمثابة المحطة الثانية في مسار التنوير العربي، فقد أتت المحطة الأولى على يد نابليون بونابرت عام 1898، حين أطلق نيران مدفعيته على أسوار مدينة الإسكندرية، كي يتفاجأ الشرق بشكل عام بقدر فارق التطور بينه وبين الغرب، ومن ثم ظهر لدى المصريين سؤال عن كيفية النهضة، وتوزعت الرؤى حول اتجاهين، الأول حاول الإجابة عنه عبر العودة إلى السلف الصالح والأخذ بما أخذوا به قديما حتى سادوا العالم، أما الثاني فقد تمحور حول ضرورة الأخذ بما أخذت به أوروبا من مدنية ومناهج علمية، وفي الوقت الذي لعب فيه الأزهر دورا مهما في قيادة الاتجاه الأول، خاصة أن رجاله لعبوا دورا بارزا في قيادة الثورة على الحملة الفرنسية، فإن قيادة الاتجاه الثاني قد تمثلت في محمد على الذي رغب في بناء دولة حديثة على الأسس الغربية، ومن ثم أرسل البعثات لتعلم مختلف العلوم، ودراسة كافة المهن على الطرق الحديثة، وهو ما خلق طبقة ارتبطت به وبجيشه الذي صارع الجيوش الأوربية، وقد أطلق موسى على هذه الطبقة مسمى “آباء التنوير”، وأفرد لهم الفصل الثاني من الكتاب، واضعا القارئ أمام التطور الثقافي والفكري الذي شهدته مصر والشام في مرحلة محمد علي، وفيه توقف أمام رؤى وأفكار نموذجين من رواد التنوير هما رفاعة الطهطاوي في مصر، وخير الدين التونسي في تونس.
وفي الفصل الثالث “اتجاهات التنوير العربي” ذهب إلى أن التنوير العربي اتخذ ثلاث اتجاهات هي: الاتجاه الاصلاحي الذي سعى إلى تطوير الفكر الديني بما يتوافق مع متغيرات العصر الحديث، وكان في مقدمة هذا الاتجاه محمد عبده الذي حرص على التوفيق بين الرؤية السلفية التي نهضت بالأمة العربية قديما حتى سادت غيرها من الأمم، والرؤية الحديثة التي ظهر فيها العلم، وأصبحت أوروبا النموذج الحضاري القوي من خلاله، وقد ساعد على ظهور هذا الاتجاه ما عرف بالجامعة الإسلامية التي دعا إليها السلطان عبد الحميد، كنوع من تجديد الخطاب الإسلامي، وتدعيم سلطة الخلافة بأطروحات جديدة تبقي عليها في مواجهة طمع بلدان الاحتلال الأوربي، أما الاتجاه الثاني فقد تمثل في القومية العربية التي طالب بها المفكرون المسيحي…