اميرة نور تكتب لماذا أتقاعس عن الكتابة؟ عن النصائح التي نعطيها للآخرين وننسى أنفسنا

 

 

هي ليست نصائح بالمعنى الدقيق، أنا حتى لا أفهم معنى أن يعطي الفرد نصيحة لغيره، وإنما هي مجرد طاقة حب، تأكيد على عدم الاستسلام لمصاعب الحياة ومآسيها، وتذكير بالمقصد الديني العظيم في حسن الظن بالله، وعدم اليأس من رحمته، ولكنني في ظل ذلك أنسى نفسي وأتقاعس عن الكتابة، بالرغم من أنها الشيء الذي أجد فيه نفسي، وبالرغم من ثقتي الكبيرة في حجم موهبتي، حتى لو عارض الجميع ذلك (الحقيقة أن لا أحد يعارض) ولكنني أحببت أن أؤكد على إيماني بنفسي في هذا الأمر!

إذن ما سر هذا التقاعس؟ أو بالأحرى ذلك الهروب، لماذا يهرب الإنسان من شيء يحبه ليفعل أشياء قد لا يحبها بنفس الدرجة أو لا يحبها أصلًا؟ وماذا عن الآمال والأحلام؟ أين مكاني وسط عمالقة الكتاب الذين قرأت لهم وأعجبني أسلوبهم ورؤيتهم؟!

في رأيي الإجابة عن هذه الأسئلة تتلخص في كلمة واحدة، وهي الكمال أو (وهم الكمال)، الرغبة في أن يكون المقال كاملًا من حيث الفكرة والصنعة وسلاسة الأسلوب، أو أن تكون الرواية رائعة لا مثيل لها، تنافس روايات أديب نوبل، وتتهافت شركات الإنتاج على شرائها وتحويلها إلى مسلسل تليفزيوني، هذا التفكير الذي يراه البعض إيجابيًا، وهو قد يكون كذلك بالفعل، هو تفكير مدمر لعوام الناس، وأنا من أولئك العوام، ولست من الفئة القليلة التي تتحمس بمثل هذه الطريقة من التفكير، على الأقل في الوقت الحالي!

الحياة تقتلنا كل يوم.. دعونا نقول أنها تستنزفنا (ربما يكون ذلك أفضل)، فتخور قوانا، نضعف أحيانًا، نفقد الحماس كثيرًا، ولكننا مازلنا قادرين على القيام بالأشياء، وطالما أن هذه القدرة موجودة حتى لو بنسبة أقل من الماضي، فإنه من الحكمة أن نستمر في العمل، حتى ولو بجودة قليلة، فالأعمال المنجزة بجودة أقل أفضل من تلك التي لم تنجز بعد، وقد يأتي الكمال يومًا ما..

هذا المبدأ على الرغم من بساطته التي تصل حد السذاجة، أخذ مني الكثير لأكتشفه، ولست أعلم كم سيأخذ لأطبقه، أتمنى لو أنتهِ من ذلك سريعًا، وأعود لممارسة الكتابة، والتي أستطيع من خلالها أن أتوازن، أن أعبر عن مشاعري وانفعالاتي، أن أصرخ وأن أحتج..

لطالما رأيت أن جميع الفنانين محظوظين؛ لأنهم يستطيعوا أن يعبروا عن أنفسهم من خلال الفن، يقولون فيه مالا يجرؤون على قوله في الواقع، أو ما تمنعهم أخلاقهم عن قوله، ولما كان الأدب في نظري هو أسمى أنواع الفنون، ولما كنت أجيد هذا الفن، إذن أنا فنانة من نوع خاص، أحظى بهذه المميزات، فلماذا أضيعها؟!

وعن النصائح التي بدأت بها مقالي، فأنا غير نادمة ولن أكون، على كل نصيحة قلتها، أو مشورة صادقة، أو كلمة دعم، ولو أخذت من وقتي، ولو أخذت من روحي!، فقط كل ما في الأمر أنني أردت أن أتذكر نسياني لنفسي المتمثل في نسياني للكتابة، وكذلك أن أُذَكر أنه علينا أن ننجز أعمالنا المتأخرة، أن نفعل الأشياء التي تركناها، حتى لو لم نرض عن مستوانا، فذلك أفضل كثيرًا من أن ننساها، وننسى أنفسنا معها..

Comments (0)
Add Comment