د. حمدي احمد زيدان يكتب:تضليل الرأي العام … الوجه الخفي للنشر المؤسسي في الجامعات

 

يشهد العالم المعاصر ثورة غير مسبوقة في إنتاج وتداول المعلومات، حتى أصبحت المعلومة – في كثير من الأحيان – أقوى من السلاح وأسرع من القرار. ومع هذا الانفجار المعرفي، برزت قضية “تضليل الرأي العام” كأحد أخطر التحديات التي تواجه المجتمعات والدول، خاصة عندما يتسلل هذا التضليل من داخل المؤسسات نفسها، وتحديدًا الجامعات التي يفترض أن تكون حارسة الوعي وضمير الحقيقة.
الجامعات بين المعرفة والمعلومة
النشر المؤسسي داخل الجامعات لم يعد مجرد نشر أخبار أو بيانات، بل أصبح وسيلة لصياغة صورة الجامعة في وعي المجتمع. فعندما تعلن جامعة عن إنجاز علمي أو ترتيب دولي أو مبادرة مجتمعية، فإنها لا تخاطب فقط طلابها أو أساتذتها، بل تؤثر في ثقة الناس في التعليم كله. لكن الخطر يبدأ عندما تتحول هذه البيانات إلى محتوى غير دقيق أو مبالغ فيه، أو عندما تغيب عنها الشفافية. فهنا يفقد النشر هدفه العلمي ويتحول – بقصد أو دون قصد – إلى وسيلة لتضليل الرأي العام.
أشكال التضليل في النشر الجامعي
يتخذ التضليل في الجامعات صورًا متعددة، منها المبالغة في الأرقام والإحصاءات، أو عرض إنجازات غير مكتملة، أو نشر أخبار منزوعة من سياقها، أو حتى الصمت المتعمد أمام الأخطاء. وقد يتحول الضغط التنافسي بين الجامعات إلى سباق في “صناعة الصورة” بدلاً من تطوير الحقيقة. وفي بعض الحالات، يتم إعادة تدوير أخبار قديمة لتبدو كأنها جديدة، أو تُستخدم الصور والشعارات بطريقة تُوحي بما لم يحدث فعلاً.
الأمن المعلوماتي… قضية وعي قبل أن تكون تقنية
الأمن المعلوماتي لا يعني فقط حماية أجهزة الحاسوب من الاختراق، بل حماية العقل العام من التلاعب. فكل معلومة غير صحيحة يتم نشرها تمثل خرقًا لثقة المجتمع في مؤسساته. وفي هذا السياق، تؤكد التجربة المصرية أن الجامعات قطعت شوطًا كبيرًا في بناء مستودعات رقمية وتحديث نظم النشر الإلكتروني، لكنها ما زالت بحاجة إلى مزيد من الضبط، والمراجعة، والتدريب الإعلامي للعاملين في هذا المجال.
النشر المسؤول… خط الدفاع الأول
إن بناء ثقافة “النشر المسؤول” داخل الجامعات هو الطريق الحقيقي لحماية الأمن الفكري والمعلوماتي، وهذا يتطلب:
1. وجود سياسات واضحة للنشر والمراجعة قبل الإعلان عن أي معلومة.
2. تدريب كوادر مؤهلة على التحقق الرقمي ومواجهة الأخبار المضللة.
3. إنشاء وحدات اتصال مؤسسي تضم متخصصين في الإعلام والأمن المعلوماتي معًا.
4. تعزيز التعاون بين الجامعات المصرية والعربية والأفريقية لتبادل الخبرات وبناء شبكة إقليمية للنشر الآمن.
الجامعات المصرية… من المحلية إلى الريادة الإقليمية
تمثل الجامعات المصرية اليوم محورًا مهمًا في منظومة التعليم العربي والأفريقي. فهي تمتلك من الخبرات والكوادر ما يؤهلها لقيادة مشروع عربي–أفريقي للنشر الآمن، يُعنى بحماية المعرفة وتحصين الوعي المجتمعي ضد التضليل. فالجامعة ليست فقط قاعة للدراسة أو مختبرًا للبحث، بل هي منبر للصدق ومرجع للثقة، وإذا اهتزت مصداقيتها، اهتزت معها الثقة في المعرفة نفسها.
ختامًا
تضليل الرأي العام ليس مشكلة إعلامية فحسب، بل قضية أمن ووعي وتنمية. ومع تسارع التحول الرقمي في التعليم، يصبح على الجامعات أن تعي أن كل كلمة أو رقم أو صورة تنشرها تمثل “بيان ثقة” أمام المجتمع.
ومن هنا، فإن مسؤولية النشر لم تعد مسؤولية فنية أو إعلامية فقط، بل مسؤولية وطنية وأخلاقية تُسهم في صون الحقيقة وحماية التنمية من التزييف.

أ.د/ حمدي أحمد محمد زيدان
كلية الهندسة – جامعة أسيوط

Comments (0)
Add Comment