ضمن فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي، احتضن قصر الثقافة في الشارقة خامسة أمسيات الدورة التاسعة عشرة، بحضور سعادة عبد الله بن محمد العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشؤون الثقافية في الدائرة، المنسق العام للمهرجان، ومحمد عبد الله البريكي مدير بيت الشعر، ولفيف من المهتمين وضيوف المهرجان.
شارك في الأمسية الشعراء: محمد عبد الباري “السودان”، وعائشة الشامسي “الإمارات”، وجاسر البزور “الأردن”، وأحمد نناوي “مصر”، وسارة الزين “لبنان”، وسلطان السبهان “المملكة العربية السعودية”، وإبراهيم السالمي، “سلطنة عمان”، فيما قدم الأمسية الشاعر المغربي مخلص الصغير.
وقدّم الشعراء المشاركين عصارة تجاربهم الشعرية عبر نصوص تؤكد عافية القصيد، وتنوعت النصوص بين النظم العمودي وقصيدة التفعيلة، وتعددت الأغراض الشعرية بين موضوعات الغزل والحكمة والشجن والحواريات المملوءة بالأسئلة.
وكان البدء بمحمد عبد الباري مع نصوص شعرية وجدت تجاوبا كبيرا من قبل الحضور المتعطش للقصيد، حيث تجول الشاعر بين عوالم الأفكار والتجارب الروحية والتأمل الشفيف، وذلك ما يبدو واضحا في نص يقف فيه الشاعر متأملا ذاته، وفي حوارية معها، وقد غلبت عليه الحيرة، يقول:
أنا برهة وأجرجر خلفي
البقية من ظلي المرهف
أراني ولا أمس يهبط عني
أراني ولا غد بي ينتقل
فماضيي خلفي تراجع
مغفرتين أمام الدم المهرق.
وفي نص أخر بعنوان “أندلسان”، يحشد الشاعر السوداني القصيدة بالرؤى الفلسفية حول الزمان والمكان وهما في تمام التشظي، ويغوص المعنى داخل النص، فلا يكاد يلمحه القارئ إلا من خلال الرموز التي تشير إليه، لكن لا شك أن الشاعر يشير في القصيدة إلى ماضي الأندلس والحضارة الإسلامية حيث يناجي النص ذلك الماضي المجيد ويستدعيه، يقول:
الـذاهــبـــون أهـلَّـة وغـمـامـا
تـركــوا شــبـابــيـك الـبـيـوت يـتـامـى
خـرجـوا ولـم يـجـد الفـراغ خـلاصه
أبـدًا ولـم تـلد الجـبـال خـزامـى
خرجوا ولا أسـماء تحـرسهم وقـد
كـانـت مـلامـحهـم تسـيـل هـلامـا
لا يحملون سـوى القليل من الذي
في ضوئه نحـتـوا المـجـاز رخامـا
ومحمد عبد الباري شاعر سوداني نشأ وترعرع في المملكة العربية السعودية، حصل على درجة الماجستير في الآداب من الجامعة الأردنية بعمان، وحصل على الكثير من الجوائز الشعرية، وله خمس مجموعات شعرية.
طرزت عائشة الشامسي أثوابا شعرية من قماشة اللغة، وعزفت لحنا بإيقاع فريد، بقصائد تلهب الأكف بالتصفيق تقديرا لذلك الألق الشعري البديع، وفي نص لها يحمل عنوان “سطور”، تذهب الشاعرة إلى مساحات معطرة بالجمال، تقول:
إلى لغة تشد من الضلوع
يطمئنني الرجوع من الرجوع
فيا شعري الذي ما زلت تهوى
جراحاتي وحاجاتي وجوعي
سأنبت فوق هذا الجوع وعيا
ينبهني على تيه الجموع.
وفي نص آخر للشاعرة، تتجلى المقدرة على احداث المقاربات وصناعة الدهشة بلغة شفيفة ودفق شعوري يخاطب القلوب، تقول:
في العين ترمش طفلتان وكوكب
وبكل عين تستريح تعذب
لا تلقي يا وجهي علي موائدا
فإنا شبعت ولم تزل تتعجب
في كل طاولة حوار مرهق
بالمتعبين ومقعد لا يتعب.
والشامسي شاعرة وأكاديمية حاصلة على الدكتوراه في الأدب والنقد، وهي عضو في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، ولها عدد من الإصدارات الشعرية والنقدية.
بينما قدم البزور، نصوصا تحتفي بالهوية وتحمل القضية والمعاني السامية، وفي إحدى النصوص التي قرأها نلمح رؤى جمالية صاغها ببراعة شديدة، يقول:
على ضفة الإلهام تمشي القوارب
وفي كبة الفنجان عين تراقب
ولست وحيدا بيد أن رفيقتي
يؤرجحها في الغيب وحي وكاتب.
أفتش عن معنى يخلد فكرتي
بعيدا عن التشفير والشعر قارب
لتهمس في رأسي القصيدة خلسة
في شارقة السلطان تؤتى المطالب.
وفي نص أخر للشاعر نلمح مناجاة شفيفة بهمس حنون، حيث يسافر بنا نحو عوالم الحب والنجوى، يقول:
قالت حنانيكَ هذا القهر يقتلني
خذني إليك وجِدْ في داخلي بلدا
وعندما عدت مني كي أرافقها
فَرَكتُ عينيَّ لكن لم أجد أحَدا.
والبزور له العديد من المشاركات في المهرجانات والأمسيات الشعرية المحلية والدولية، وهو عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو الاتحاد العام للكتاب والأدباء العرب، وكذلك هو عضو في اتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، وله عدد من الإصدارات الشعرية.
الشاعر أحمد نناوي عطر هو الأخر الأمسية بباقة من القصائد المرهفة بلغة جزلة، حيث أبحر بالحضور إلى سماوات من الإبداع الشعري، وفي إحدى نصوصه تظهر …