محمود العربي يكتب : الضربة الإسرائيلية لإيران: تصعيد عسكري يهزّ الشرق الأوسط ويشعل الأسواق

 

 

 

في الساعات الأولى من صباح 13 يونيو 2025، نفذت إسرائيل ضربة جوية مركَّزة على مواقع داخل إيران، لتردّ طهران سريعًا بإطلاق أسراب من المسيّرات والصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي.
هذا الاشتباك المباشر، وهو الأخطر منذ سنوات، أدّى إلى إغلاقٍ شبه كامل للأجواء فوق إيران والعراق والأردن وإسرائيل، ودفَع شركات الطيران الإقليمية إلى تحويل مساراتها أو تعليق رحلاتها. ومع الارتباك الذي أصاب حركة الطيران والحجاج العائدين من السعودية، ارتفعت أسعار النفط في تداولات نفس اليوم بأكثر من 12%، فيما بدا العالم يحبس أنفاسه تحسُّبًا لأي تصعيدٍ قد يشلّ مضيق هرمز أو يهدد الملاحة في البحر الأحمر.

على المستوى المصري، تلوح تداعيات اقتصادية قاسية في الأفق. فالارتفاع الفوري في أسعار النفط يعني فاتورة استيراد أثقل لبلد يعتمد على مزيج من النفط والغاز المستوردَين لتشغيل محطات الكهرباء والنقل العام والصناعات الثقيلة. ومع كل دولار يُضاف إلى سعر البرميل، يُتوقع أن يزداد الضغط على معدلات التضخم التي تجاوزت أصلًا 30% على أساس سنوي؛ وهو ما سينعكس مباشرةً على أسعار الوقود، والنقل، والسلع الأساسية، ويدفع الأسر محدودة الدخل إلى مزيد من تقليص استهلاكها. كذلك فإن تعقيد خطوط الإمداد عبر البحر الأحمر—نتيجة التوترات المتواصلة وهجمات الحوثيين التي أدت بالفعل إلى تراجع مرور السفن في قناة السويس بأكثر من 60% منذ ديسمبر الماضي—يعني خسارة مليارات الدولارات من رسوم العبور، وارتفاع أقساط التأمين على السفن، وتأخير مستلزمات الإنتاج. هذه العوامل مجتمعة تهدد الصناعات كثيفة الطاقة مثل الأسمدة والحديد والصلب، حيث تشكّل الطاقة ما يزيد على 40% من تكلفة الإنتاج، ما يضعف القدرة التنافسية ويقلّص صادرات تلك القطاعات.

امتداد الأزمة ينعكس على الاقتصادات العربية مجتمعة. فمضيق هرمز وحده يمُرّ عبره نحو 18% من التدفق العالمي للنفط، وأي تعطيلٍ طويل الأمد سيؤدي إلى قفزة حادة في الأسعار، تتخطى بكثير حاجز 100 دولار للبرميل، ويُفاقم عجز الموازنات في الدول المستوردة للطاقة بينما يخلق ضغوطًا تضخمية على الجميع. في دول الخليج، قد تتحول المنشآت النفطية والقواعد التي تضم قوات أمريكية إلى أهداف محتملة، ما يرفع مخاطر الاستثمار ويضغط على أسواق الأسهم والعملة.
كما أن اضطراب سلاسل التوريد البحرية والجوية يهدد قطاعات السياحة والتجارة البينية، ويزيد تكلفة النقل والشحن في التجارة العربية-العربية، ما يعطّل خطط التنويع الاقتصادي التي تعتمد عليها دول المنطقة لمواجهة التحول العالمي بعيدًا عن الوقود الأحفوري.

إذا استمر التصعيد أو توسَّع، فإن المنطقة بأسرها تواجه موجة تضخمية أوسع، وتراجعًا في ثقة المستثمرين، واحتمال تعطُّل مشاريع البنية التحتية العابرة للحدود.
وفي غياب تهدئة عاجلة، قد تتحول الضربة، التي بدأت كعمل عسكري محدود، إلى نقطة تحوّل تُعيد رسم خريطة المخاطر الاقتصادية في الشرق الأوسط لسنوات قادمة.

 

Comments (0)
Add Comment