الرئيسية

تراث أذربيجان الحضاري والثقافي في قراباغ 

0 61

عصام عبد الحواد

شكل إقليم قراباغ الأذربيجاني أهمية كبيرة في منطقة القوقاز، نظراً لموقعه الجغرافي الفريد، والبيئة الطبيعية الخلابة الذتي تسوده، ولذلك فقط حظي الإقليم بوجود العديد من المعالم الثقافية والتاريخية والحضارية. وخلال الفترة الأخيرة من عمر الإتحاد السوفيتي والسنوات الأولي من انهياره تعرض الإقليم لحرب ضروس تعرض علي اثرها للاحتلال من قبل ارميينا خلال الحرب التي شهدها الإقليم ما بين عامي 1988- 1993، وفقدت أذربيجان باحتلال قراباغ 20٪ من أراضيها، بينما تجاوز عدد اللاجئين والمشردين في أذربيجان أكثر من مليون شخص فروا من الإقليم.

أصدر مجلس الأمن الدولي أربعة قرارات تدعو إلى وحدة أراضي أذربيجان وعدم المساس بحدودها واستقلال أراضيها، هذه القرارات تحمل أرقام822، 853، 874، 884، والصادرة عام 1993. وقد تبنت مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي مسئولية حل الصراع بالطرق الدبلوماسية وفق قرارات مجلس الأمن. كما اتخذت منظمة التعاون الإسلامي منذ الأيام الأولى من الصراع وفي جميع مراحله اللاحقة موقفاً واضحاً وعادلاً بشأن أذربيجان في جميع المحافل الدولية.

دخل نزاع قراباغ الجبلية الذي لم يُحل داخل إطار مجموعة مينسك التابعة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي مرحلة جديدة في 27 سبتمبر 2020، عندما قررت أذربيجان تطبيق قرارات مجلس الأمن بنفسها، وشنت حرباً واسعة النطاق، وحققت أذربيجان خلال هذه الحرب التي استمرت 44 يوماً انتصارات استطاعت خلالها تحرير أراضيها.

شاهد الأذربيجانيون علي الأراضي المحررة مدي ما تعرضت له المعالم الثقافية والحضارية الأذربيجانية في قراباغ من تدمير وتشويه، فقد استخدم الأرمن كل السبل لتشويه المعالم التاريخية والثقافية والدينية وعلي رأسها المساجد والمقابر والأضرحة وشواهد القبور. حيث دُمر 67 مسجداً في قراباغ الجبلية والمناطق المحيطة بها وجعلوا من تلك المساجد حظائر للحيوانات.

دمار هائل لحق بمسجد أغدام الجامع ذي المئذنتين، حيث كان هذا المسجد بمثابة الملجأً والملاذ الآمن للناجين من المذبحة الجماعية التي تعرضت لها خوجالي عام 1992. وقد شكل تدمير المناطق الأذربيجانية المحررة وتدنيس المساجد في شوشا وأغدام وفضولي وجبرئيل وزانجيلان وغيرها من المناطق، تدميراً للقيم الدينية والإنسانية، وعدم احترام للقيم الدينية ليس لشعب أذربيجان وحسب بل للعالم الإسلامي بأسره.

لقد زار السفراء وأعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدون لدي أذربيجان الأراضي المحررة، وشاهدوا بأعينهم الفظائع الأرمينية. التي أدت إلى استياء واسع لدي المسلمين في جميع أنحاء العالم، وكذلك منظمة التعاون الإسلامي. فقد صدر عن الاجتماع السابع والأربعين لمجلس وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي المنعقد يومي 27، 28 نوفمبر 2020 قراراً بشأن “تدمير وإهانة الأضرحة التاريخية والثقافية الإسلامية في الأراضي الأذربيجانية المحتلة نتيجة عدوان جمهورية أرمينيا على جمهورية أذربيجان”. ويُدين هذا القرار بشدة التدمير والنهب والسرقة والاستيلاء غير القانوني علي الآثار التاريخية والثقافية الإسلامية والأضرحة الموجودة بالأراضي الأذربيجانية المحتلة، فضلاً عن أعمال التخريب لهذه الآثار. كما يُدين القرار أيضاً بشدة اهانة المساجد على يد الأرمن في الأراضي المحررة مؤخراً. ويؤكد القرار على حق أذربيجان في المطالبة بتعويضات عن الأضرار التي لحقت بها، وعلى مسئولية أرمينيا في دفع هذا التعويض. ويُعد هذا القرار الصادر عن الدول الأعضاء في المنظمة البالغ عددهم 57 دولة مؤشراً على دعم العالم الإسلامي لأذربيجان.

كما قام وفد برئاسة الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” في يناير 2021 م بزيارة الأراضي الأذربيجانية المحررة للوقوف علي مدي الدمار الذي تعرض له التراث الثقافي والتاريخي والديني الأذربيجاني، وزاروا المساجد المدمرة، وقالوا خلال الزيارة أن إهانة وتدمير الآثار الدينية الإسلامية على هذا النحو يتنافى مع المبادئ والقيم الإنسانية. كما تتعارض هذه الأعمال مع اتفاقية لاهاي لعام 1954 المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نشوب النزاعات المسلحة.

تتمتع منطقة القوقاز بأهمية استراتيجية كبيرة، حيث تقع في منطقة أوراسيا بين القارتين الأوروبية والآسيوية، بافضافة إلي أنها تعد من أهم موارد الطاقة، ومن ثم فإن تهيئة الأمن والاستقرار في المنطقة سوف يجلب لشعوب المنطقة السلام والازدهار، ويجعل من دول الإقليم مركز جذب للاستثمارات العالمية، ولم تعد المنطقة تحتمل المزيد من التوترات والاضطرابات، خاصة مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثاني، ولذلك فإن تطبيع العلاقات بين أذربيجان وأرمينيا، وتوقيع اتفاقية سلام بينهما هو السبيل الوحيد لتنمية دول المنطقة وتحقيق السلام والاستقرار والازدهار لشعوبها.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.